كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإذا عرفت معاني أنواع الشركة في اللغة، فسنذكر لك إن شاء الله تعالى هنا معانيها المرادة بها في الاصطلاح عند الأئمة الأربعة وأصحابهم، وأحكامها، لأنهم مختلفون في المراد بها اصطلاحًا، وفي بعض أحامها.
أما مذهب مالك في أنواع الشركة وأحكامها فهذا تفصيله:
اعلم- أن شركة المفاوضة جائزة عند مالك وأصحابه. والمراد بشركة المفاوضة عندهم هو أن يطلق كل واحد منهما التصرف لصاحبه في المال الذي اشتركا فيه غيبة حضورًا، وبيعًا وشراء، وضمانًا وتوكيلًا. وكفالة وقراضًا. فما فعل أحدهما من ذلك لزم صاحبه إذا كان عائدًا على شركتهما.
ولا يكونان شريكين إلا فيما يعقدان عليه الشركة من أموالهما، دون ما ينفرد به كل واحد منهما من ماله. وسواء اشتركا في كل ما يملكانه أو في بعض أموالهما، وتكون يد كل منهما كيد صاحبه، وتصرفه ما لم يتبرع بشيء ليس في مصلحة الشركة.
وسواءء كانت المفاوضة بينهما في جميع أنواع المتاجر أو في نوع واحد منها، كرقيق يتفاوضان في التجارة فيه فقط، ولكل واحد منهما أن يبيع بالدين ويشتري فيه ويلزم ذلك صاحبه وهذا هو الصواب. خلافًا لخليل في مختصره في الشراء بالدين.
وقد أشار خليل في مختصره إلى جواز شركة المفاوضة في مذهب مالك مع تعريفها، وما يستلزمه عقدها من الأحكام بالنسبة إلى الشريكين بقوله: ثم إن أطلقا التصرف وإن بنوع فمفاوضة، ولا يفسدها انفراد أحدهما بشيء وله أن يتبرع إن استألف به أوخف كإعارة آلة ودفع كسرة ويبضع ويقارد ويودع لعذر وإلا ضمن، ويشارك في معين ويقيل ويولى ويقبل المعيب وإن أبي الآخر، ويقر بدين لمن لا يتهم عليه، ويبيع بالدين لا الشراء به. ككتابة وعتق على مال، وإذن لعبد في تجارة ومفاوضة وقد قدمنا أن الشراء بالدين كالبيع به. فللشريك فعله بغير إذن شريكه على الصحيح من مذهب مالك خلافًا لخليل: أما الكتابة والعتق على المال وما عطف عليه- فلا يجوز شيء منه إلا بإذن الشريك.
واعلم- أن الشركة المفاوضة هذه في مذهب مالك لا تتضمن شيئًا من أنواع الغرر التي حرمت من أجلها شركة المفاوضة عند الشافعية ومن وافقهم لأن ما استفاد أحد الشريكين المتفاوضين من طريق أخرى كالهبة والإرث، واكتساب مباح كاصطياد واحتطاب ونحو ذلك، لا شيء منه على شريكه، بل يقتصر كل ما بينهما على ما كان متعلقًا بمال الشركة، فكل منهما وكيل عن صاحبه، وكفيل عليه في جميع ما يتعلق بمال الشركة وهكذا اقتضاه العقد الذي تعاقدا عليه.
فلا موجب للمنع ولا غرر في هذه الشركة عند المالكية، لأنهم لا يجعلون المتفاوضين شريكين في كل ما اكتسبا جميعًا حتى يحصل الغرر بذلك، ولا متضامنين في كل ما جنيا حتى يحصل الغرر بذلك. بل هو عقد على أن كل واحد منهما نائب عن الآخر في كل التصرفات في مال اشركة، وضامن عليه في كل ما يتعلق بالشركة.. وهذا لا مانع منه كما ترى، وبه تعلم أن اختلاف المالكية والشافعية في شركة المفاوضة خلاف في حال، لا في حقيقة.
وأما شركة العنان- فهي جائزة عند الأئمة الأربعة. مع اختلافهم في تفسيرها- وفي معناها في مذهب مالك قولان، وهي جائزة على كلا القولين: الأول وهو المشهور- أنها هي الشركة التي يشترط كل واحد من الشريكين فيها على صاحبه ألا بتصرف في مال الشركة إلا بحضرته وموافقته، وعلى هذا درج خليل في مختصره بقوله: وإن اشتراطا نفي الاستبداد فعنان، وهي على هذا القول من عنان الفرس. لأن عنان كل واحد من الشريكين بيد الآخر فلا يستطيع الاستقلال دونه بعملن كالفرس التي يأخذ راكبها بعنانها فإنها لا تستطيع الذهاب إلى جهة بغير رضاه.
والقول الثاني عند المالكية: أن شركة العنان هي الاشتراك في شيء خاص. وبهذا جزم ابن رشد ونقله عنه المواق في شرح قول خلي وإن اشترطا نفي الاستبداد إلخ. وهذا المعنى الأخير أقرب للمعروف في اللغة كما قدمنا عن ابن منظور في اللسان وأما شركة الوجوه- فلها عند العلماء معان:
الأول منها- هو أن يشترك الوجيهان عند الناس بال مال ولا صنعة. بل ليشتري كل واحد منهما بمؤجل في ذمته لهما معًا. فإذا باعا كان الربح الفاضل عن الأثمان بينهما.
وهذا النوع من شركة الوجوه هو المعروف عند المالكية بشركة الذمم، وهو فاسد عند المالكية والشافعية. خلافًا للخنفية والحنابلة. ووجه فساده ظاهر. لما فيه من الغرر، لاحتمال أن يخسر ويربح هذا كالعكس. وإلى فساد هذا النوع من الشركة اشار ابن عاصم المالكي في تحفته بقوله:
وفسخها إن وقعت على الذمم ** ويقسمان الربح حكم ملتزم

المعنى الثاني من معانيها- أن يبيع وجيه مال خامل بزيادة ربح، على أن يكون له بعض الربح الذي حصل في المبيع بسبب وجاهته. لأن الخامل لو كان هو البائه لما حصل ذلك الربح. وهذا النوع أيضًا فاسد.
لأنه عوض جاه، كما قاله غير واحد من أهل العلم والمعنى الثالث- أن يتفق وجيه وخامل على أن يشتري الوجيه في الذمة ويبيع الخامل ويكون الربح بينهما. وهذا النوع أيضًا فاسد عند المالكية والشافعية، لما ذكرنامن الغرر سابقًا.
وأما شركة الأبدان عن المالكية- فهو جائزة بشروط، وهي أن يكون عمل الشركين متحدا كخياطين. أو متلازمًا كأن يغزل أحدهما وينسج الآخر، لأن النسج لابد له من الغزل، وأن يتساويا في العمل جودة ورداءة وبطأ وسرعة، أو يتقاربا في ذلك، وأن يحصل التعاون بينهما. إلى جواز هذا النوع من الشركة بشروطه أشارر خليل في مختصره بقوله: وجازت بالعمل إن اتحد أو تلازم وتساويا فيه، أو تقاربا وحصل التعاون، وإن بمكانين. وفي جواز إخراج كل آلة واستئجاره من الآخر. أو لابد من ملك أو كراء تأويلان، طبيبين اشتركا في الدواء، وصائدين في البازين، وهل وإن افترقا رويت عليهما وحافرين بكركاز ومعدن، ولم يستحق وراثه بقيته وأقطعه الإمام. وقيد بما لم يبد، ولزمه ما يقبله صاحبه وغن تفاصلا وألغى مرض كيومين إلخ.
وبهذا تعلم أن شركة الأبدان جائزة عند المالكية في جميع أنواع العمل: من صناعات بأنواعها، وطب واكتساب مباح. كالاصطياد والاحتشاش والاحتطاب، وغير ذلك بالشروط المذكورة. وقال ابن عاصم في تحفته:
شركة بمال أو بعمل ** أو بهما تجوز لا لأجل

وبقي نوع معروف عند المالكية من أنواع الشركة يسمى في الاصطلاح بشركة الجبر وكثير من العلماء يخالفهم في هذا النوع الذي هو شركة الجبر.
وشركة الجبر: هي أن يشتري شخص فيها، ولم يتكلم أولئك التجار الحاضرون. فإن لهم إن أرادوا الاشتراك في تلك السلعة مع ذلك المشتري أن يجبروه على ذلك، ويكونون شركاءه في تلك السلعة شاء أو أبي.
وشركتهم هذه معه جبرًا عليه- هي شركة الجبر المذكورى. فإن كان اشتراها ليقتنيها لا ليتجر بها، أو اشتراها ليسافر بها إلى محل آخر ولو للتجارة بها فيه- فلا جبر لهم عليه. وأشار خليل في مختصره إلى شركة الجبر بقوله: واجبر عليها إن اشترى شيئًا يسوقه لا لكفر أو قنية، وغيره حاضر لم يتكلم من تجاره. زهل في الزقاق لا كبيته قولان. أما شركة المضاربة- فهي القراض، وهو أن يدفع شخص إلى آخر مالًا ليتجر به على جزء من ربحه يتفقان عليه. هذا النوع جائز بالإجماع إذا استوفى الشروط كما سيأتي إن شاء الله دليله.
وأما أنوع الشركة في مذهب الشافعي رحمه الله فهي أربعة: ثلاثة منها باطلة في مذهبه، والرابع صحيح.
وأما الثلاثة الباطلة- فالأول مها شركة الأبدان كشركة الحمالين، وسائر المحترفين: كالخياطين، والنجارين، والدلالين، ونحو ذلك، ليكون بينهما كسبهما متساويًا أومتفاوتًا مع اتفاق الصنعة أو اختلافها.
فاتفاق الصنعة كشركة خياطين، واختلافها كشركة خياط ونجار ونحو ذلك. كل ذلك باطل في مذهب الشافعي، ولا تصح عنده الشركة إلا بالمال فقط لا بالعمل.
ووجه بطلان ركة الأبدان عند الشافعية- هو أنها شركة لا مال فيها، وأن فيها غررًان لأن كل واحد منهما لا يدري أيكتسب صاحبه شيئًا أم لا، ولأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده، كما لو اشتركا في ماشيتها وهي متميزة على أن يكون النسل والدر بينهما، وقياسًا على الاحتطاب والاصطياد. هكذا توجيه الشافعية للمنع في هذا النوع من الشركة.
وقد علمت فيما مرّ شروط جوزا هذا النوع عند المالكية، إذ بتوفر الشروط المذكورة ينتفي الغرر.
والثاني من الأنواع الباطلة عند الشافعية- هو شركة المفاوضة، وهي عندهم أن يشتركا على أن يكون بينهما جميع كسبهما بأموالهما أو أبدانهما، وعليهما جميع ما يعرض لكل واحد منهما من غرم، سواء كان بغصب أو إتلاف أو بيع فاسد أو غير ذلك. ولا شك أن هذا النوع مشتمل على أنواع من الغرر فبطلانه واضح، وهو ممنوع عند المالكية، ولا يجيزون هذا ولا يعنونه بشركة المفاوضة كما قدمنا.
وقد قال اشافعي رحمه الله في هذا النوع: إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة، فلا باطل أعرفه في الدنيا- يشير إلى كثرة الغرر والجهالات فيها: لاحتمال أن يكسب كل واحد منهما كسبًا دون الآخر، وأن تلزم كل واحد منهما غرامات دون الآخر، فالغرر ظاهر في هذا النوع جدًا.
والثالث من الأنواع الباطلة عند الشافعية- هو شركة الوجوه وهي عندهم أن يشترط الوجيهان ليبتاع كل واحد منهما بمؤجل في ذمته لهما معًا فإذا باعا كان الفاضل من الأثمان بينهما. وهذا النوع هو المعروف عند المالكية بشركة الذمم. ووجه فساده ظاهر، لما فيه من الغرر، لأن كلًا منهما يشتري في ذمته ويجعل كل منهما للآخر نصيبًا من ربح ما اشترى في ذمته، مقابل نصيب من ربح ما اشترى الآخر في ذمته. والغرر في مثل هذا ظاهر جدًا. وبقية أنواع شركة الوجوه ذكرناه في الكلام عليها في مذهب مالك، وكلها ممنوعة في مذهب مالك ومذهب الشافعي، ولذا اكتفينا بما قدمنا عن الكلام على بقية أنواعها في مذهب الشافعي أما النوع الرابع من أنواع الشركة الذي هو صحيح عند الشافعية- فهو شركة العنان وهي: أن يشتركا في مال لهما ليتجرا فيه. ويشترط فيها عندهم صيغة تدل على الإذن في التصرف في مال الشركة، فلو اقتصرا عل لفظ اشتركنا لم يكف على الأصح عندهم.
ويشترط في الشريكين اهلية التوكيل والتوكل، وهذا الشرط مجمع عليه. وتصح شركة العنان عند الشافعية في المثليات مطلقًا دون المقومات وقيل: تختص بالنقد المضروب.
ويشترط عندهم فيها خلط المالين. بحيث لا يتميز أحدهم من الآخر. والحيلة عندهم في الشركة في العروض- هي أن يبيع كل واحد بعض عرضه ببعض عرض الآخر ويأذن له في التصرف، ولا يشترط عندهم تساوي المالين. والربح والخسران على قد المالين، وسواء تساويا في العمل أو تفاوتا. وإن شرطا خلاف ذلك فسد العقد، ويرجع كل واحد منهما على الآخر بأجرة عمل في ماله.
عقد الشركة المذكورة يسلط كل واحد منهما على التصرف في مال الشركة بلا ضرر، فلا يبيع بنسيئة، ولا بغبن فاحش، ولا يبضعه بغير إذن شريكه، ولكل منهما فسخها متى شاء.
وأما تفصيل أنواع الشركة في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله- فهو أن الشركة تنقسم إلى ضربين:
شركة ملك، وشركة عقد.
فشركة الملك واضحة. كأن يملكان شيئًا بإرث أو هبة ونحو ذلك كما تقدم. وشركة العقد عندهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
شركة بالمال، وشركة بالأعمال، وشركة بالوجوه. وكل قسم من هذه القسام الثلاثة عندهم ينقسم قسمين: مفاوضة، وعنان. فالمجموع ستة أقسام.
أما شركة المفاوضة عندهم- فهي جائزة إن توفرت شروطها، وهي عندهم الشركة التي تتضمن وكالة كل من الشريكين للآخر، وكفالة كل منهما الآخر، ولابد فيهما من مساواة الشريكين في المال ولدين والتصرف.
فبتضمنها الوكاله يصح تصرف كل منهما في نصيب الآخر.
وبتضمنها الكفالة يطلب كل منهما بما لزم الآخر.
ويماساواتهما في المال يمتنع أحد أن يستبد أحدهما بشيء تصح الشركة فيه دون الآخر. ولذا لو ورث بعد العقد شيئًا تصح الشركة فيه كالنقد بطلت المفاوضة، ورجعت الشركة شركة عنان.
وبتضمنها المساواة في الدين تمتنع بين مسلم وكافر.
وبتضمنها المساواة في التصرف تمتنع بين بالغ والصبي، وبين حر وعبد، وكل ما اشتراه واحد من شريكي المفاوضة فهو بينهما. إلا طعام أهله وكسوتهم وكل دين لزم أحدهما بتجارة وغصب وكفالة لزم الآخر.
ولا تصح عندهم شركة مفاوضة أو عنان بغير النقدين والتبر والفلوس النافقه. والحيلة في الشركة في العروض ععندهم هي ما قدمناه عن الشافعية، فهم متفقون في ذلك.
وأما شركة العنان فهي جائزة عند الحنفية. وقد قدمنا الإجماع على جوازها على كل المعاني التي تراد بها عند العلماء.
وشكرة العنان عند الحنفية- هي الشركة التي تتضمن الوكالة وحدها، ولم تتضمن الكفالة. وهي: أن يشتركا في نوع بز أو طعام أو في عموم التجارة ولم يذكر الكفالة.
ويعلم من هذا- أم كل ما اشتراه أحدهما كان بينهما، ولا يلزم أحدهما ما لزم الآخر من الغرامات، وتصح عندهم شركة العنان المذكورة مع التساوي في المال دون الربح وعكسه إذا كانت زيادة الربح لأكثرهما عملًا.